اليأس بانتظارنا دائماً، متى ما طلبتُهُ وجدتهُ خلف الباب منتظراً عدم مجيئك، ليدخل هوَ، هو دائماً ذلك الرجل الأنيق الذي يقتحمُ الغرفة ليسكُبَ لي كأس شايٍ بارد، لا خيارات كثيرة في حضرة غيابك.
كلُّ الأبواب مغلقةٌ لاستقبالك، متى أردتِ قرعها أو دخولها ستجدينهُ مختبئاً في غرفة مجاورة، أو مطروداً خارج القصر، اليأس يكره الأحلام ويكره مجيئك .
كان الحزنُ أحد حرّاسي المفضلين، عدم الاكتراث كان أضخمهم، والكذبة كانت السكرتارية التي تنظم لي مواعيدي العاطفية، طردتهم جميعاً إلا اليأس، ترجّاني وتوعّدني، بكى أمامي ثم اشتكى علي، ركع على ركبتيه وداس على مكتبي الأنيق بحذائه الضخم، سكب لي القهوة والعصير في كأس شاي واحد، أغلق النوافذ وأطفئ جميع الأضواء، فعل كُلّ المتناقضات لكي يبقى على حراسة الباب، وفعل .
في كٌلّ مرّة يدخلُ علي، يبقى في ضيافتي يوماً أو اثنين، وفي حضرة اليأس تغيبين، لا أذكرك حتى لو أدرتْ، يُضيئ لي في غرفتي الكبيرة شمعةً واحدة، ويضع أمامي كُلّ ما أحبُّ من أصناف المُهدّءات، صورة لك مع رجل لا أعرفه، ابتسامة لك لا أعرف تاريخها، جهلاً كاملاً بالأشياء التي تفكرين بها الآن، سجل هاتف لم يعرف إلاّ رقمك، وفنجان قهوة متّهم بلقائك، كُلّ هذا ولا أذكرك، أنا أذكرك فقط عندما أزيح الستائر عن أشعة الشمس، فقط عندما يخرج اليأس منتظراً من جديد عدم مجيئك .
في آخر مرّة زارني بها أخبرني كم هو سعيد، انتظرتُ طويلاً! طويلاً جداً، وأسرّ لي أنّه كاد أن يستسلم لو صمدتُ أكثر، لو انتظرتُكِ أكثر، وعندما دخل تنفّستُ الصُّعداء، وتنهدت، وعندما سكب لي الشاي تناولتُهُ بهدوءِ المنتصر، جلس أمامي دون أكترث هذه المرّة لمهدّءاته، لم أترجّاه لأنساك، ولم أحمل إليه الرجاء القديم بأن تكوني لي، ظلّ يتكلّم عن حبّي لك وتعلّقي بك، وعن أنّ المُحبَّ يعُطي دون أن يأخذ، وأنّه يرضى بالعدم أمام ذكرى الحبيبة، وعندما أدرك الهزيمة، تسلل إلى الأوراق والرُّزنامة و سجلات الهاتف، كان يعلمُ أنّ عليه انتظار شخص آخر، أنّك لن تكوني سببه القادم للدخول علي .
وبعد أن خرج، تمنّى لو أنّه لم يدخل، لو أنّه لم يَوعدني يوم كتبتُ لك أوّل قصيدة أنّه سيتقبّلُ الهزيمة، وأنّهُ سيسمحُ لي بعدم انتظارك، وأنّ كُلّ أنواع مهدّءاته ستغدو بلا قيمة عندما تصبحين في الذاكرة، الذاكرة التي بنيتُها من أول لحظة، والّتي خططتُ طوال تلك السنين للعيش فيها دون انتظار، ما الذاكرة وما الواقع؟ إن كُنّا نعيشُ في الأحلام ، فوداعاً للانتظار …