لم يحصل طوال مشاركة المنتخب السوري ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم، أن ظهرت أي مقولة من أي موالي للنظام السوري، مهما كان وزنه أو مكانه، تطالب المعارضين بعدم تشجيع المنتخب، فالمنتخب كان دائماً إحدى الأوراق التي يستعملها النظام لكسر العزلة السياسية المفروضة عنه، والبحث عن أي شرعية مفقودة منذ سنوات عديدة.
إلاّ أن الفوز الأخير للمنتخب السوري على قطر كشف المستور، فالمفكر والمثقف والفنان والشبيح يتساوى إن كان مؤيداً في شيزوفرينيا الانتصار، قبل قطر كان منتخب الجميع، وبعد قطر صار منتخب الجيش السوري الباسل والانتصارات القيادية، تحوّل المنتخب بعامل الحظ المطلق ولعبة النقاط إلى جيش محارب في الخارج يوازي بانتصاراته “العمليات النوعية” لجيش النظام السوري في الداخل.
منتخب لكل السوريين، ولكنه يتبع للاتحاد الرياضي العام الذي يرأسه اللواء الشبيح موفق جمعة، والذي كان وما يزال جزءاً من المنظومة الأمنية البعثية في سوريا، وينوب عنه فراس معلا الصديق الحميم للأسد، وابن العقيد الجزار هاشم معلا، المسؤول الأول عن مجزرة المشارقة في حلب وأحد جزاري الجيش السوري في لبنان، ويديره إدارياً فادي الدبّاس الّذي لا يكل ولا يمل عن اهداء الانجازات والانتصارات للقيادة الحكيمة، ويديره فنياً الشبيح أيمن الحكيم الذي بكى دموع التماسيح ابتهاجاً بانتصار القيادة، وقبله الشبيح الأكبر فجر إبراهيم الذي ارتدى مع كامل الطاقم الفني والإداري بلوزة عليها صورة الأسد في سنغافورة قبل التصفيات النهائية، أمّا حارس المنتخب ابراهيم عالمة فصورته منتشرة مع الكلاشينكوف وهو يقرقع المتة في سهرة اصطهاج تشبيحية، عدا عن كتيبة كاملة من اللاعبين الشبيحة، الذي تغنّوا على قناة سما الأخبارية بتدمير جيش النظام السوري لدير الزور وتسابقوا إلى تحيّة الرئيس راعي الرياضة والرياضيين، وعلاوة على ذلك فالمنتخب مدجج بدعم إعلامي طائفي تحريضي يقوده شريف شحادة وعارف الطويل ونجدت أنزور ومعظم الأوساط السياسية و الفنية الموالية، حتى حافظ الصغير لم يضيّع فرصة ركوب الموجة وتشجيع المنتخب التشبيحي.
الطريف في الأمر أن المتابع لتشبيح عارف الطويل وبشار اسماعيل، سيكون مهتماً بمشاهدة حلقة من بطولتهما في مسلسل مرايا، يلعب عارف الطويل دور مهاجم في المنتخب السوري، أما بشار اسماعيل فيلعب دور القيادي، وتهزأ الحلقة بإسهاب ممل من حشر وشك القيادة في كل شاردة وواردة، ويسخر معهم ياسر العظمة من “دعم القيادة للرياضة والرياضيين”، حلقة مهمة جداً تكشف أحد أكبر فصول الشيزوفرينيا التي تحدثت عنها سابقاً، يهزأ الفنان قديماً من ذات الأحداث التي يكررها الآن بقناعة تامة.
أياً كان، كل هذه الأمور مفهومة، الغير مفهوم هو شكر اللاعب السوري عمر السومة للرئيس السوري لدعمه الرياضة والرياضيين، مرفق مع هذا المقال رابط لمقال طويل جداً يتحدث عن عدد من الرياضيين الشهداء والمفقودين والمهجرين، إن كانت مشاركة السومة بالمنتخب مفهومة من جانب البراغماتية المقبولة، فإن شكره للأسد لا يمكن فهمه إلاّ من باب خيانة الأهل والعشيرة،و الدير التي دمّرها الأسد، والمنكوبة كأكثر مدينة مدمّرة في سوريا على الإطلاق .
منتخب لكل السوريين، قالو أنّه سيجمع السوريين، كُل السوريين، لأول مرّة لمدة تسعة دقيقة، ولكن و قبل يوم من لقاء سوريا وإيران، قتلت ميليشيات علوية من بلدة أصيلة بريف حماة الشمالي الغربي، 18 مدنياً من قرية “معرزاف” (السنية) بينهم سبعة أطفال وأربعة نساء، اقتحمت الميليشيات إحدى المزارع القديمة وقامت بتجميع المزارعين ليتم قتل الضحايا بالسكاكين والسواطير، وذلك أثناء عملهم في أرضهم في مزرعة قرب قرية “الهوات” الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، حصل ذلك قبل أيّام فقط من تكريم القيادة السورية للاعبين تحت شعار ” سوريا انتماؤنا والأسد خيارُنا “، حيث استمع الجهاز الفني والإداري للمنتخب بمن فيهم السومة لمحاضرة وطنية من العيار الثقيل لرئيس الاتحاد الرياضي اللواء موفق جمعة، كان ملخصها “انتصاركم هو امتداد لانتصار الجيش”.
إحدى أكثر الأمور اللامفهومة أيضاً، وأثناء استقبال المنتخب السوري في مطار دمشق، احتشد عدد لا بأس به من المؤيدين مرددين جملة شعارات تشبيحيّة كان أغربها ” الله محيي الجويّة “، لم أستطع للآن فهم سبب ترديد هذا الهتاف، هل كان القصد إغاظة المعارضة؟ وإن كان فرع الأمن الجوّي منتشر فقط في مناطق سيطرة النظام ومسلّط على المؤيدين والشبيحة أنفسهم، فهو حالة جديدة من اضطراب الشخصية الساديّة، التي ترى في العذاب المُطلق وسيلة للفرح والابتهاج.
منتخب لكل السوريين، يؤكد هشاشة الانتماء، وخيانة الذكرى، ومنصّة ساذجة لاكساب النظام شرعيّته التي يبحث عنها، كم هم مساكين، اللاعبين، والمشجعين، والشبيحة، وجماعة الجويّة، وكم نحنُ سُعداء بذكرى الشُهداء، مباركٌ لكم جويّتكُم، ومبروكٌ لنا حُريّتُنا.