واقفاً أمام صورةٍ لي سأكونها بعد قليل, كدمُات وجهك المصفوفة بعناية, شفتُك المُنتفخة, وشعركُ المبلولُ بالدّماء, كُلُّ تفاصيل جسدك المنحوت بالأبيض, وككُلّ الشهداء, لم أركَ أجملَ من هذا اليوم.
أذكُرك بأقدمِ ما يمكنُ للذاكرة أن تَذكرَه, كَبُرنا في الحصار وتحت هدير الطائرات, وركضنا منتصرين ومهزومين من البراميل والصواريخ الموجهة والاعتباطيّة, مرّت بالقرب منا آلاف الرصاصات العابرة, وشاهدنا كما لم يُشاهد أيُّ طفلٍ في العالم معنى الحرب والموت اليومي, شاركنا عشرات الأفراح والجنائز, وصرخنا يوم كُنّا صغاراً ,صغاراً جداً, تكبيرات الوعيد والرحمة, أنا وأنت يا عدنان.
لا أذكر عدد المرّات التي أنّبتنا أُمهاتنا على ركضنا في الشوارع وعدد المرّات التي هربنا بها من غضب الآباء عقب غيابنا ساعات عديدة بعد كُل انفجار, كانت الأنقاض كُلُّ الأنقاض بانتظارنا كي نرفعها, وكُنّا نبحث فيها عن أشلاءٍ لا نعرفها, لا يفهم الآباء معنى أن تكونَ بطلاً, أو أن تكون كما أنتَ حالاً , شهيداً .
واقفاً أمامك يا عدنان, أمام صورةٍ لي سأكونها بعد دقائق أو ساعات, ولا أعرف ما إذا كنت محظوظاً مثلك, ستُدفن يا عدنان معروف الاسم والمكان والجسد, أمّا نحن فما زلنا مُهددين بالموت تحت الأنقاض أو بالاختناق في الأقبية المجهولة, سأعُدُّ خطواتنا في جنازتك, وقبل دفنك سأدع ليدي شرف عناقك الأخير, سأكون آخر من عانق الشهداء.
ليتنا كبُرنا سويّاً, ليتنا عِشنا لنرثي السابقين, ما أصعب رثاء القادمين من الشهداء, والراحلين بلا نسيان, ما أصعب رثائك.